للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهو يريد أن يجعل العقيدة الطحاوية -وهي عقيدة مشهورة، ومجمع عَلَى فضلها بين الناس- هي عقيدة الأشعرية، ومعلوم أن عقيدة أبي الحسن الأشعري، ليست موافقة لعقيدة أبي جعفر الطّّحاويّ.

ولذلك رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: أنا أشرحها سالكاً منهج السلف.

كراهية السلف للتكلم بالكلمات المجملة

ثُمَّ قَالَ: إن السلف لم يكرهوا التكلم في العرض والجوهر والحيز والجسم لأنه اصطلاح جديد، وإنما لأنها تشتمل عَلَى أمور كاذبة، وهذه قضية مهمة لئلا يأتي معترض ويقول: لماذا تنكرون عَلَى علم الكلام، ولا تنكرون عَلَى غيره من العلوم المستحدثة كعلم النحو وعلم الأصول، فالعرب كانوا يتكلمون اللغة بدون معرفة مبتدأ ولا خبر، ولا نواسخ، ولا مضاف ومضاف إليه، والفقهاء كانوا يقولون حرام وحلال، ولم يكونوا يعرفون الأحكام التكليفية والوضعية، والعلة والمناط، وغير ذلك من مباحث علم الأصول.

فنحن جئنا بمثل ما جَاءَ به النحويون وضبطنا العقيدة، فوضعنا جسم وعرض، وحيز وجوهر، وتركيب وغير تركيب، أتينا بها حتى نفهَّم النَّاس العقيدة.

وقالت الصوفية: نَحْنُ أتينا ورتبنا طريق السلوك، وجعلنا له مقامات، وأحوالاً، والحال له تعريف، والمقام له تعريف، وكيف نجمع بين هذا المقام وهذا الحال، فما أتينا إلا بمصطلحات نُفهم النَّاس كيف كَانَ الصحابة يتعبدون.

فرد عليهم المُصْنِّف هذه الشبهة فقَالَ: [السلف لم يكرهوا ذلك لمجرد كونه اصطلاحات جديدة عَلَى معان جديدة، لكن أنكروا عليهم لأنها تشتمل عَلَى أمور كاذبة، ولأنها عبارات منقولة عن مشركي اليونان والمجوس، وتعبر عن عقائد جاهلية قديمة باطلة، وكل مصطلح منها له دلالة تختلف عند أهله عنها في لغة العرب.

فالجسم في لغة العرب غير الجسم في تعريف المناطقة ... وهكذا بقية الأمور كالعرض، والجوهر.

<<  <   >  >>