للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يجوز للإنسان أن يتكلم إلا بعلم وببينة في هذا الأمر وفيما عداه، فكرهوا أن يقول: بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، أو بحق البيت الحرام، أو المشعر الحرام وغير ذلك، لأن كل ذلك لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، ولا على ألسنة الصحابة الكرام، بل الذي ورد إنما هو عن العرب في الجاهلية، فكانوا يقسمون بغير الله، ويسألون بغير الله، ومن جملتها السؤال بالحق، والإقسام بالحق، فيأتي الإسلام فيحرم ويمنع منعاً باتاً الإقسام أو الحلف بغير الله سبحانه وتعالى، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة الإقسام بحق أي أحد من الخلق، وهذا مما يدل على أن الأمر فعلاً بدعة الجاهلية، فهذا طرفة بن العبد صاحب المعلقة المشهورة يقول:

ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدن لم أحفل متى قام غودي

لولا ثلاث حاجات منها:

سقي العاذلات بشربة كؤوس متى ما تغلى بالماء تزبد

أول شيء شرب الخمر، هذه الشربة الحمراء الأرجوانية التي إذا غليت بالماء يكون لها زبد، وهؤلاء الشعراء هم أفضل ما كانت القبائل في الجاهلية تعتد بهم، فلولا الخمر والزنى والسلب والنهب لما بالى طرفة متى يموت.

فالمقصود أن الحلف بالحق كان معروفاً عند العرب في الجاهلية، فلما كان الحلف بغير الله لا يجوز بأي حال من الأحوال، كان هذا الحلف بالحق لا يجوز كالحلف بالأمور المعظمة عند المسلمين، كأن يحلف الرجل بالكعبة أو بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بحق الكعبة أو بحق النبي صلى الله عليه وسلم أو بحق الأنبياء أو بحق الرسل أو بحق المشعر الحرام أو ما أشبه ذلك، لأنه لم يرد عن السلف، مع أن هذه مما عظمها الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:٣٢] .

<<  <   >  >>