وفيه دلالة عظيمة لمذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ في التوسل ورد جلي عَلَى أهل البدع والضلال، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حياً يقول: إن شئت دعوت لك، وأيضاً لم يكتفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن دعا له بل قَالَ: توضأ وصل وادعو، فيكون ذلك أرجى لقبوله دعائه، فالاستجابة بعد وضوئه وصلاته ركعتين بإخلاص لا سيما في ذلك الوقت، لأن المسألة ليست هينة، بل مسألة عظيمة ترتب عليها أن يعود له بصره.
فكم كَانَ في المدينة من عميان في ذلك الزمان؟ وكم فيها من ذوي العاهات؟ وهل أحد أحرص عَلَى الخير من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ومع ذلك لم يبلغنا قط عن أحد منهم أنه دعا بهذا الدعاء، أو بمثله أو توسل بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بجاهه ليشفى من مرضه، فهل القوم جهلة؟ أم غافلون عن هذا الدعاء؟ لا؛ بل علموا أن هذه معجزة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودليل من دلائل النبوة الدالة عَلَى صدق نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه تحقق شيء يعجز عنه الأطباء ويعجز عنه كل البشر إلا إذا شاء الله، فعلم الصحابة أن هذه الحادثة خاصة بهذا الأعمى، ولو أن الأمر أمر دعاء لحفظ كل أعمى هذا الدعاء ودعا به، فبقيت هذه القصة دليلاً من أدلة نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.