فهَؤُلاءِ الثلاثة توسل الأول منهم ببر الوالدين، ولو كَانَا كافرين، كما قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:١٥] الآية. أي: الأبوان الكافران لا تطعهما عَلَى الكفر، ولكن صاحبهما في الدنيا معروفاً، قدم لهم الطعام والكساء، وأعطهم طلباتهم المادية في غير معصية الله، وادعهم إِلَى الخير بالتي هي أحسن، هذا حق واجب عليك وهما كافران، فكيف إذا كانا مؤمنين، فهذا الأول كَانَ يحلب لهما اللبن، وينتظرهما ويعطيهما قبل أن يطعم الأطفال، وذات مرة غلبهما النوم فانتظرهما وهو واقف، والأطفال يتضاغون ويصيحون، ولم يوقظهما ولم يطعم أطفاله، تأمل هذه المواقف، كيف وقف هذا الرجل؟!
والثاني توسل إليه بترك الزنى، الذي أصبح اليوم في هذه الدنيا وكأنه من مستلذات الحياة، ومن الأمور العادية -عافانا الله من ذلك- فهذا الرجل تمكن من الفاحشة، ثُمَّ قام لما قالت له: اتق الله، وهذا الزمان كم من واحد تقول له: اتق الله ولكنه من الذين قال الله فيهم: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ [البقرة:٢٠٦] ، وقد قال الله تَعَالَى لنبيه يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:١] وكلنا في حاجة إِلَى أن يقال لنا: اتق الله في كل وقت وحين، ولا خير فينا إن لم نقلها لبعضنا البعض ونتناصح بها، فلما قالت له: اتق الله، ماتت الشهوة وذهبت، واستحضر عظمة الله، وقام وقد قعد منها مقعد الرجل من أهله.