إن التوحيد الذي أنزل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى من أجله الكتب، وأرسل من أجله الرسل، هو توحيد الألوهية، ليس توحيد الله في أفعاله، كما هو الحال في توحيد الربوبية، بل هو توحيد الله في أفعال العباد، بأن يعبده الخلق وحده لا شريك له، وأن ينقادوا لأمره، ولا يعترضوا عَلَى حكمه القدري أو حكمه الشرعي، بل يكونون عبيداً لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والتقرب إِلَى الله بما شرع، هذه حقيقة العبودية كما قال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:٥] فلا بد من تحقيق ذلك، لكي يكون العبد مؤمناً، وإلا فإنه مشرك.
فَيَقُولُ: إذا علم ذلك وتفكر في حال النطفة وفي خلقه وفي طعامه كما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانسَانُ إِلَى طَعَامِهِ [عبس:٢٤] إذا تأمل في هذا الكون فإنه يقر حينئذ بتوحيد الربوبية، وإذا فعل ذلك انتقل منه إِلَى توحيد الألوهية، فإنه إذا علم بالعقل أن له رباً أوجده، كيف يليق به أن يعبد غيره؟ سُبْحانَ اللَّه! يخلقك ويرزقك ويحييك ويميتك ويعطيك وينعم عليك، ثُمَّ تعبد غيره قُتِلَ الإِنسَانسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس:١٧] وَكَانَ الإِنسَانسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً [الكهف:٥٤] .
ولهذا روي في بعض الآثار القدسية (إني والجن والإنس لفي أمر عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إليهم نازل، وشرهم إِلَى صاعد، أتحبب إليهم بالنعم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي) ، وهذا من العجب وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ [يونس:١٨] .