وسلمان الفارسي في أقصى البلاد يترك النَّار ويتحول من راهب إِلَى راهب، كل ذلك ليبحث عن الدين والحق، ثُمَّ يؤمن، فيهديه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى للإيمان وينفر بفطرته من الكفر، وهذا الذي يرى الآيات البينات الساطعات أمام عينيه، ولكنه لم يؤمن، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا شاء أهلك الإِنسَان، وأماته وهو في منتهى القوة، وإذا شاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنقذه من موت محقق، وقد شارف عَلَى الهلاك وقارب الموت، فإذا به يعود صحيحاً سوياً معافىً كأنه لم يضره شيء.
اعرف نفسك تعرف ربك
لو تفكر الإِنسَان في ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لآمن به وازداد به يقيناً ومعرفة، ولهذا قال من قال من السلف:"اعرف نفسك تعرف ربك"، فإذا عرفت ضعفك عرفت قوة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإذا اعرفت جهلك عرفت علم الله سبحانه تعالى، وإذا عرفت ذنوبك عرفت رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بك ولطفه، وأنه لم يهلكك بهذه الذنوب ولم يؤاخذك بها بل تركك لعلك تتوب، وإذا عرفت تقصيرك عرفت كرم الله ومنَه عليك بالنعم والخيرات التي تتابع وتتوالى وأنت في غفلة عنها ولا تدري ولا تحسب لها أي حساب، ولو فقدت واحدة منها لتغيرت حياتك جميعها.
إذاً: لو أن الإِنسَان عرف نفسه عَلَى الحقيقة فلن يرى في نفسه إلا الضعف والعجز والافتقار، ويعرف أن ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الموصوف بكمال الغنى، وكمال العلم، وكمال الحكمة، وأنه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فالتفكر في هذه الأمور، مما يجب علينا جميعاً، لنزداد إيماناً بالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ونزداد عبودية له سبحانه في أنفسنا.