فمن هنا نعرف الفرق بين الإرادتين، ويتبين لنا كيف نرد عَلَى شبهة هَؤُلاءِ القدرية: الذين يقولون إن الإرادة والمشيئة تستلزم المحبة.
ولهذا يقول المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فهذه الإرادة -يعني: الإرادة الشرعية- هي المذكورة في مثل قول النَّاس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل ما لا يريده الله، يعني: لا يرضاه ولا يحبه الله، لكن لو قالها آخر بمعنى: ما قدره الله ولا كتبه، فهذا إما أن يكون منكراً للعلم فيكون كافراً، وإما أن يكون فقط ينكر نسبة الشر إِلَى الله فيكون ضالاً مبتدعاً، ففرق بين الحالتين، لكن عامة النَّاس يستخدمونها بمعنى: لا يحبه، وهو شيئ محرم؛ لأن الله ورسوله لا يريدان الحرام وهكذا ...
وأما الإرادة الكونية فهي الإرادة المذكورة في قول الْمُسْلِمِينَ: ما شاء الله كَانَ وما لم يشأ لم يكن، يعني: ما أراد الله كَانَ وما لم يرد الله لم يكن، فتبين لنا الفرق بين نوعي من الإرادة.
ثُمَّ قَالَ: والفرق ثابت بين إرادة المريد أن يفعل، وبين إرادته من غيره أن يفعل، أي: بين إرادة الله عَزَّ وَجَلَّ أن يفعل الشيء سبحانه؛ فهو فعال لما يريد، وبين إرادته من غيره أن يفعل، فالأولى متعلقة بفعله، والأخرى متعلقة بفعل المأمور، ثُمَّ إن المأمور قد يعان عَلَى ما أمر، وقد لا يعان.