فمصلحته أن يأمر موسى عَلَيْهِ السَّلام بالخروج فقط، لكنه لو أعانه وأرشده وأخذ بيده، أو حمله عَلَى بعيره حتى يخرجه، لكانت هناك مضرة عَلَى هذا الرجل لو رآهفرعون وقومه؛ لكن هو مصلحته في أن يخبره ويبلغه، فَقَالَ له: إن بقيت ظفر بك قومفرعون؛ فإنهم سوف يؤذونك ويقتلونك، وإذا خرجت فستسلم، فاخرج إني لك من الناصحين.
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[فإن قيل: هل يلزم من تأثير صلة الرحم، في زيادة العمر ونقصانه تأثير الدعاء في ذلك، أم لا؟
فالجواب: أن ذلك غير لازم، لقوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأم حبيبة رَضِيَ اللهُ عَنْها:(قد سألت الله تَعَالَى لآجال مضروبة) الحديث، كما تقدم.
فعُلمَ أن الأعمار مقدرة، لم يشرع الدعاء بتغييرها، بخلاف النجاة من عذاب الآخرة. فإن الدعاء مشروع له نافع فيه، ألا ترى أن الدعاء بتغيير العمر لما تضمن النفع الأخروي شرع كما في الدعاء الذي رواه النَّسَائِيُّ من حديث عمار بن ياسر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ:(اللهم بعلمك الغيب وقدرتك عَلَى الخلق أحيني ماكنت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) إِلَى آخر الدعاء.
ويؤيد هذا مارواه الحاكم في مستدركه من حديث ثوبان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) .
وفي الحديث رد عَلَى من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء، وقد ثبت فيالصحيحن عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه (نهى عن النذر، وقَالَ: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) .
واعلم أن الدعاء يكون مشروعاً نافعاً في بعض الأشياء دون بعض، وكذلك هو.