والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنما يعاقب العبد الكافر والعاصي بعد أن يبين له الحجة، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد كتب عَلَى نفسه أن لا يعاقب أحداً إلا بعد أن يبين له الحق والحجة والصواب وَمَا كَانَ َ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [التوبة:١١٥] فضرب المثال بفرعون وأبي لهب، جاءتهما الحجج من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والبيان فكفرا به، فلا يلزم من إرادة الإيمان منهما أن يعينهما الله عَزَّ وَجَلَّ، وأن يوفقهما الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للإيمان؛ لأن هناك حِكما ومصالح تفوت في عدم كفرفرعون وأبي لهب، بل في وجود الكافرين عموماً، فهذه الحكم تفوت وتنتفي لو أنه وفقهما للإيمان كما وفق أبا بكر وعُمَرَ، وإنما بيّن لهما وأراهما الحجة، ثُمَّ وفقهما الله عَزَّ وَجَلَّ وتفضل عليهم فاختارا الهدى، فهو أعان المؤمنين عَلَى هداهم ووفقهم وتفضل عليهم بالهداية، لكنه لم يمنع الكافرين حقاً لهم عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وإنما أعذر إليهم وأقام الحجة عليهم، فقول القدرية هَؤُلاءِ: إن الآمر يلزمه أن يعين المأمور، كلام مردود، وهذا من تشبيههم لله -عَزَّ وَجَلَّ- بخلقه، مثلما قالوا: إن الإِنسَان إذا أمر أحداً بشيء فإنه لا بد أن يظهر عليه من البشر أو الطلاقة أو من واقع الحال ما يدل عَلَى أنه يعينه عليه، لذلك قالوا: إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يلزم عليه أن يعين الكافر ويوفقه للإيمان أو الطاعة.
مع أن الخلق عندهم الأمر ينفك عن الإعانة، فقد لا يكون مصلحة للآمر أن يعينه، بل قد يكون خلاف ذلك، كالرجل الذي جَاءَ من أقصى المدينة يسعى فَقَالَ لموسى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص:٢٠] .