وقد سبق أن ذكرنا أن هناك تقديراً يومياً، وتقديراً سنوياً، وتقديراً عمرياً -على العمر كله- وتقديراً كونياً -على عمر الكون كله-، واللوح المحفوظ - أم الكتاب - قدر الله فيه الأمور الكونية التي لا تتغير ولا تتبدل، وهو الذي في حديث (أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب: قال وما أكتب، قال: اكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) ، فهذا لا يتغير ولا يتبدل، أما التقدير اليومي في قوله عَزَّ وَجَلَّ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:٢٩] فمعناه أنه يرفع ويخفض ويعطي ويمنع، وأما التقدير السنوي ففي ليلة القدر، وهي ليلة واحدة في العام فيقدر الله عَزَّ وَجَلَّ فيها ما سيقع في ذلك العام، فهذا التقدير عَلَى مستوى العام في العمر كله، يعني كل سنة من سنين العمر الكوني فإن الله تَعَالَى يقدر في ليلة القدر من تلك السنة من الآجال والأرزاق والحياة والموت وما أشبه ذلك، والتقدير العمري هو ما يتعلق بالعمر وهو أن العبد - كما مر معنا في حديث عبد الله بن مسعود - إذا مرت عليه مائة وعشرون ليلة أو اثنتان وأربعون ليلة - كما في الرواية الأخرى التي صرحت بذلك (أن الملك ينفخ فيه الروح ويكتب فيها رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد) ، هذا التقدير عَلَى مستوى عمر الإِنسَان، أحد ماسبق من المراتب.
ولأجل هذه التقادير المختلفة اختلف العلماء في أيها يقع النسخ والتقدير، فذهب ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأبو وائل شقيق بن سلمة ومجاهد وبعض العلماء من السلف أن التقدير السنوي الذي في ليلة القدر: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:٤] يغير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيه ما يقضي وما يقدر.