للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن التقدير الذي لا يغير ما كَانَ في أم الكتاب، وعلى ذلك حملوا الآية في سورة الرعد لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:٣٨-٣٩] أي: الآجال، كل أجل له كتاب والله عَزَّ وَجَلَّ يمحو ما يشاء ويثبت من هذه الآجال ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ المذكور في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْر [الأنبياء:١٠٥] ، فما كَانَ في اللوح المحفوظ فإنه لا يتغير ولا يتبدل ولا ينسخ منه شيء.

التغيير في صحف الملائكة

أما الصحف التي في أيدي الملائكة فهذه تقبل التغيير، والملائكة لا يعلمون الغيب إنما يأمرهم الله عَزَّ وَجَلَّ أن ينقلوا من اللوح المحفوظ، ولهذا قال ابن عباس - لما تقول الملائكة يَوْمَ القِيَامَةِ: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:٢٩]- ألستم عرباً؟ ألا تقرأون؟ فالملائكة تستنسخ بإذن الله عَزَّ وَجَلَّ، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقدر الأقدار العمرية والسنوية ويأمر الملائكة بها؛ لكن المكتوب في اللوح المحفوظ الذي تستنسخه الملائكة هو النهاية الأخيرة التي لا تقبل التغيير والتبديل بأي حال من الأحوال، لذلك ذكر المصنف: إن زيادة ونقص العمر وأثر الأسباب في الآجال يحمل عَلَى الصحف التي في أيدي الملائكة، أو بمعنى أوسع. نقول: عَلَى القدر العمري أو القدر السنوي، أما أصل الكتاب فإنه لا يدخله التغيير ولا يدخله التبديل.

ثُمَّ قَالَ: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِت [الرعد:٣٩] أي: من هذه الآجال، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ التي لا محو فيها ولا تغيير وذهب البعض الآخرين من العلماء -من الذين لا يرون أثراً للأسباب في الآجال- إِلَى أن آية الرعد ليست في موضع علاقة الدعاء بالقضاء والآجال، وإنما هي في موضوع الشرائع.

<<  <   >  >>