للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما الوسوسة فمذمومة عَلَى كل حال، لكن من وفقة الله وفقهه في الدين وكان علمه عميقاً وراسخاً؛ فهذه درجة مطلوبة محمودة، فكل إنسانٍ يأخذ من هذا الدين ومن أمر اليقين بقدر ما يوفقه الله ويؤهله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولو أراد أحد أن يتجاوز قدره لسقط ولهلك، فالتعمق والنظر في أمور القدر الخفيّة الدقيقة من إنسان لا يعرف الأدلة، ولا يعرف كلام أهل العلم ولا يستطيع أن يفقه في المسألة هذا ذريعة الخذلان.

كف العوام عن الخوض في القدر

وينبغي علينا أن نكف العوام عن الخوض في القدر، فإن كَانَ ولا بد إذا وجدنا من أحدهم شبهة راسخة كشفناها بالدليل، ولكن لا يعني ذلك أن نعرض تعاريف القدر عَلَى العامة، أو نرضى أن يخوض العامة في تفصيلات القدر وغير ذلك من أمور الإيمان؛ لأن الخوض في ذلك مَزلة الأقدام، فهو بحر لا يستطيعون أن يبحروا فيه، لكن من كَانَ لديه استعداد للفهم من الكتاب والسنة وكلام العلماء.

فينبغي له أن يزداد علماً، لأنه بذلك يزداد إيماناً ويزداد فهماً، وعندما ترد عليه شبهة سرعان ما يدفعها لما لديه من علم؛ وينبغي أن يقيد بهذا كلام الطحاوي رَحِمَهُ اللَّهُ، وأن نعرف المقصود من كلامه، ولهذا قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [والمعني أن المبالغة في طلب القدر والغوص في الكلام فيه ذريعة الخذلان] .

فقوله: ذريعة: أي وسيلة، والذريعة والوسيلة والدرجة والسلم متقاربة، وكذلك الحرمان والطغيان والخذلان متقاربة، لكن الخذلان في مقابلة النصر، والحرمان في مقابلة الظفر، والطغيان في مقابلة الاستقامة، والإمام أبي جعفر الطّّحاويّ -رحمه الله- جَاءَ بعبارات أدبيّة فيها سجع، وعطف جملة بعضها عَلَى بعض، وإلا فالمؤدى واحد.

<<  <   >  >>