أنت كالكلب في الحفاظ عَلَى العهد وكالتيس في قراع الخطوب
فقالوا هذا الخليفة -أمير المؤمنين- تشبهه بالكلب والتيس! فَقَالَ لهم الخليفة: دعوه، فهذا الشاعر لا يريد إلا المدح، ولا يقصد إلا الثناء، ولم يقصد إلا الجائزة من الخليفة، لكنه بدوي مسكين يعرف التيس ويرعى الغنم، ويعرف أن الكلب هو الذي يحميها من الذئب والوفاء عند هذا البدوي متمثل في الكلب، والقوة عنده في التيس الذي يناطح الصخور والحجارة فهذا الذي يعرفه.
لكن لما اختلط بالبيئة المتحضرة قَالَ:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
لما عاش في بيئة فيها نعيم بدأ بالشعر الراقي أو الشعر الحضاري، عَلَى أية حال وإن كَانَ قد لا يكون راقياً في ميزان الشرع! وأكثر الْمُسْلِمِينَ اليوم في جهل بمقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كمثل هذا البدوي في جهله بمقام الخليفة فلا يدري أكثر الجهال أن مقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يمدح به أن تقول فيه: هو عبد الله ورسوله.
ما يعاب على بعض المادحين له عليه الصلاة والسلام:
أما غيره من المدح كَانَ يمدحه بشيء فيه ما يدعو إِلَى السخرية، كقولهم: كَانَ الذباب لا يقع عليه، وكان القمل لا يؤذيه، فهذا ليس المدح الذي مدحه الله به وأثنى به عليه، ومع ذلك تؤلف في ذلك الكتب ويقولون: إن من يدعو إِلَى التمسك بسنته، فإنه يكرهه.
ويقولون: هَؤُلاءِ يكرهون الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنهم ينكرون علينا هذا المدح، ويقولون:"لا تطروا الرسول، لا تبالغوا في مدح الرسول" وبهذا الكلام يرون أن هذا هو غاية المدح، مثل ذاك الشاعر البدوي كما تقدم. فيجب أن نعلم أن الأمر ليس متروكاً لآرائنا وأهوائنا نمدح بما نشاء ونذم بما نشاء، وإنما نمدحه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حدود ما أمر الله، مع حبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.