فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(نعم أعطيك، قال فدفعت إليه ما أراد من المؤونة والطعام وأخذها، وأرسل بها إِلَى أولئك، قَالَ: ثُمَّ انتظرت بعد ذلك حتى قاربت الثمار أن تنضج، قَالَ: فجئت إليه، وهو واقف وحوله أصحابه، وهم خارجون من مكان ما، قَالَ: فأمسكت بتلابيبه وشددتها عليه وقلت له: يا محمد أما آن لك أن تعطيني حقي: فوالله إنا لنعرفكم يا بني عبد المطلب إنكم قوم مطل -أي: تؤخرون صاحب الدين- فَحَلِمَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يرد، ولكنعُمَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- اغتاظ غيظاً شديداً، وقَالَ: يا زيد أتفعل هكذا، ارفع يدك عن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلا فلقت هامتك بالسيف.
فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أو شيء غير ذلك يا عُمَر ! كَانَ عليك أن تأمره بحسن الطلب وتأمرني بحسن القضاء) .
قالزيد: فعلمت حينئذ أن حلمه يسبق جهله، وأنه لا يقابل الجهل بالجهل، وإنما يقابل الجهل بالحلم فقَالَ: اذهب يا عُمَر فأعطاه ما طلب وزده عشرين صاعاً.
قَالَ: فذهبت مع عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فكال له ما طلب منه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما اكتمل حقه، قَالَ: انتظر لك عشرون صاعاً، قال ما هي؟ قَالَ: أمرني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أزيدك إياها مقابل ما روعتك وما كانت زيادة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك إلا لما يعلمه من جشع وحرص اليهود على المادة.
فتعجبزيد من ذلك، فقَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رَسُول الله، قَالَ: والله ما فعلت ذلك إلا أنني قد بلوت خبره من التوراة ومن الأسفار، فما بقي من أمره شيء إلا وقد عرفت صدقه، وعرفت أنه نبي، إلا هذه الكلمة: أنه يسبق حلمه جهله، ولا يقابل الجهل بالجهل، إنما يقابل الجهل بالحلم. فأسلم زيد، وحسن إسلامه فيما بعد، وقد كَانَ من أحبار اليهود الكبار.