للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالأدلة كثيرة متظافرة، ولا وجه من الحق لدعوى من ادعى أنها محصورة في أمر واحد فقط، ليصحح بذلك النظر العقلي، والاستدلال العقلي الفلسفي الذي يقول: إن العقل وحده هو الذي يحكم، ويزن صدق أو كذب دعوى النبوة، وأن هذا العقل ما من شيء يحركه أو يلقي فيه اليقين إلا المعجزة الخارقة، التي يأتي بها الأَنْبِيَاء عادة.

وذكر المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى هنا ثلاثة أمثلة من سيرة النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تدل جميعاً عَلَى أنه صادق، وأن الذين استدلوا بهذه الأدلة علموا علم اليقين أنه صادق في نبوته وأنه لا يدَّعي الكذب، وهذه الثلاثة هي:

أولاً: خديجة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- في أول نزول الوحي، واستدلالها عَلَى ذلك.

وثانياً: ما وقع من النجاشي، وهو ملك نصراني بعيد من النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يره ولم ير دلائل نبوته وإنما بلغه الحق فآمن واعتقد باليقين الذي سوف نتحدث عن طريقة حصوله لديه.

ثالثاً: خبر هرقل عظيم الروم الذي هو زعيم الأمة النصرانية الكبرى التي لديها من العلم والأخبار ما تعرف به حقيقة الكاذب من الصادق في مثل هذه الدعوى، هذه الوقائع الثلاثة -وهي جزء من وقائع كثيرة - تدل عَلَى صدق ما يذهب إليه أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ في مقام تأييد النبوة وإثباتها.

موقف خديجة رضي الله عنها من الوحي

قَالَ المُصْنِّفُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

[ولهذا لما كانت خديجة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- تعلم من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه الصادق البار، قال لها لما جاءه الوحي: {إني قد خشيت عَلَى نفسي فقالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين عَلَى نوائب الحق} ، فهو لم يخف من تعمد الكذب، فهو يعلم من نفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يكذب.

<<  <   >  >>