للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما خاف أن يكون قد عرض له عارض سوء، وهو المقام الثاني، فذكرت خديجة ما ينفي هذا، وهو ما كَانَ مجبولاً عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وقد علم من سنة الله أن من جبله عَلَى الأخلاق المحمودة ونزهه عن الأخلاق المذمومة: فإنه لا يخزيه.

وكذلك قال النجاشي لما استخبرهم عما يخبر به واستقرأهم القُرْآن فقرؤوا عليه: "إن هذا والذي جَاءَ به موسى عَلَيْهِ السَّلام ليخرج من مشكاة واحدة: وكذلك ورقة بن نوفل لما أخبره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما رآه، وكان ورقه قد تنصر، وكان يكتب الإنجيل بالعربية، فقالت له خديجة: أي عم اسمع من ابن أخيك ما يقول، فأخبره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما رأى فقَالَ: هذا هو الناموس الذي كَانَ يأتي موسى] اهـ.

الشرح:

خديجة رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْها: امرأةٌ ذات عقل راجح، وحكمةٍ، ورويَّه، وتبصر بالأُمور. لما أتاها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو في تلك الحالة التي صورها حديث عَائِِِشَةَ في أول صحيح البُخَارِيّ في بدئ الوحي: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء، وفؤاده يرجف، وهو خائف وجل من هذا الحدث الهائل، الذي لم يكن يتوقعه، والذي خاف منه عَلَى نفسه، كَانَ يتعبد ويتحنث في ذلك الغار، وإذا هذا الملك يأتي، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يعرفه، ولم يسمع عنه من قبل ولم يسمع أنه جَاءَ إِلَى أحد، فيأتيه، ويناديه من بين السماء والأرض ثُمَّ ينزل إليه، فيغطه الثلاث المرات، ثُمَّ يقول له: اقرأ كما هو معلوم في الحديث، ويأتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفؤاده يرجف وهو خائف هلع في هذه الحادثة التي لا عهد له بها.

فأتى إِلَى خديجة -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْها، وكانت نِعم الزوجة، وصارحها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعرض عليها المشكلة.

<<  <   >  >>