وقَالَ:{لقد خشيت عَلَى نفسي} ، فلا يدري صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما هذا الأمر، ويخشى أمراً لا يدري ما نهايته وهل له من نهاية أم يقف عند هذا الحد؟ كل ذلك غيب بالنسبة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه ما كَانَ يرجو أن يلقى الله إليه الكتاب، ولا كَانَ يتوقع ذلك، ولا علم له بأمثال هذه الأمور المغيبة.
الشاهد: أن خديجة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- لما أرادت أن تطمئن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ناحية، وأن تفكر فيه وترى الحق والبصيرة من ناحية أخرى، لأنها هي أيضاً قد تخاف وتخشى عليه أن يكون ماحدث له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجان والشيطان، لكنها فكرت في ذلك بهذا العقل الراجح، وبهذه البصيرة التي لديها.
فقالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال لها {لقد خشيت عَلَى نفسي: كلا! والله لا يخزيك الله أبداً!} أقسمت عَلَى ذلك وهي البارة الصدوق أن الله لا يخزيك أبداً، وذكرت هذه الصفات النبيلة الحميدة، التي من تحلى بها فلن يَخزى ولن يَذل أبداً {إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتُقري الضيف، وتُكسب المعدوم، وتُعين عَلَى نوائبِ الحق هذه الصفات، صفات عجيبة، لا يمكن أن تجتمع في إنسان، ويخزيه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فأهل الجاهلية عَلَى ما فيهم، كانوا إذا اجتمع في الرجل منهم حب العدل والعفاف والكرم، توقعوا له الخير، وحسن العاقبة والسمعة الحسنة والقبول، لأن كل النفوس مجبولة عَلَى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عدل كريم يُجازي الإِنسَان من جنس ما يعمل، فهل يكون امرؤٌ يعمل هذه الأعمال الجليلة النبيلة التي تجمع العقول والفطر عَلَى نبلها وفضلها وشرفها، ويخزيه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.