ثُمَّ آمن به ورقة وقَالَ: ليتني أكون فيها جذعاً إذ يخرجك قومك -ولهذا استغرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَالَ:(أَوَ مُخْرِجيَّ هم؟) ولايزال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أول الأمر، وهذا نور وحق جَاءَ به الأَنْبِيَاء من قبل، وهو من الله -عَزَّ وَجَلَّ- نعمةٌ وهبةٌ، فلماذا يخرجه قومه؟! لم يكن قد تصور بعد أنه سيخرج، فما سر العداوة؟ فَقَالَ لهورقة: ما جَاءَ رجل بمثل ما جئت به إلا عُودي هذا حق، والحق أينما وقع فلا بد أن يعادى من قبل أهل الشروَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:٣١] فورقة علم أن هذا وحي، وعلم سنة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في الأنبياء، وهو أنهم لا بد أن يعادوا وأن يكذبوا، ولكن تعهد لو أدركه ذلك اليوم لينصرن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن الحق هو الذي سينتصر وإن العاقبة للتقوى، وحتى لو لم يدرك انتصار الحق، فيكفيه أنه يجاهد في سبيل الحق حتى يموت.
هكذا أخذ ورقة على نفسه ولكنه لم يلبث أن توفي ولم يتحقق شيءٌ من ذلك، قبل أن يصدع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدعوة.
فخديجة -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْها- جمعت في الاستدلال عَلَى نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصدقه بين دليلي العقل -العقل السليم- والنقل، وورقة بن نوفل اعتمد عَلَى الدليل النقلي الواضح الجلي، ومثله كمثل رجل منا، يقرأ حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسألة، فيؤمن به، ويصدقه؛ لأنه يعلم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادق.