للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتفرقت الأمة بناءً عَلَى هذا التأويل. فلو فتحنا المجال لِكُلِ إنسان بأن يؤول كما شاء في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ لَمَا بقي من ديننا شيء، فلا بد من إغلاق هذا الباب واتباع منهجالسلف الصالح في فهم كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ذلك فهم هذه الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:٢٢، ٢٣] التي أنزلها الله عَلَى نبيه مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقرأها عَلَى أصحابه، وقرأها الصحابة رضوان الله تَعَالَى عليهم، وقرأها السلف جميعاً فما سمعنا أن أحداً أولها، أو أخرجها عن معناها، بل في الآية نفسها ما ينفي وما يقطع أي تأويل يؤوله الجهمية ومن اتبعهم فيها.

والجهمية عندما أولوا هذه الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ قالوا: إن "إلى" مفرد آلاء كما في قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن: ١٣] فـ"إلى" بمعنى النعمة، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ يعني: منتظرة، تنتظر نعمة ربها، فمعنى الآية عندهم -على تأويلهم-: أن هذه الوجوه تنتظر نعمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليها! فانظروا إِلَى هذا التكلف والتلاعب بكتاب الله عَزَّ وَجَلَّ! ولذلك لما أخذ أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ يردون عليهم قالوا: أولاً: إضافة النظر إِلَى الوجه الذي هو محله من القرائن الدالة عَلَى أن المقصود هو المعنى الحقيقي: وهو النظر. فالنظر أضيف إِلَى الوجه الذي هو محل النظر، أي: أسند إليه، فهو الفاعل: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ فهو نظر حقيقي حسي، ثُمَّ "إلى" حرف جر وليست كما زعموا بأنها مفرد "آلاء" وإذا تعدى النظر بإلى لم يكن في معنى الانتظار إنما أصبح بمعنى النظر، نظرت إِلَى كذا، يعني: رأيته بالعين الحسية المعروفة.

ثُمَّ قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

<<  <   >  >>