فالفضل كله من أول الأمر إِلَى آخرِهِ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والعبد دائرٌ بين منزلتين منزلة إِيَّاكَ نَعْبُدُ ومنزلة إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وهو في الحالتين لا يملك شيئاً. فالعبادة لله وحده، والاستعانة عَلَى أداء هذه العبادة وتحقيقها هي من عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وتطلب منه وحده، ولذلك كَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو الله ويقول:(ولا تكلني إِلَى نفسي طرفة عين) نعوذ بالله أن يكلنا الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى أنفسنا، فإن العبد لو خلى بينه وبين نفسه فإنه يخذل ولا يوفق للخير أبداً.
ولهذا فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يظلم الكفار والعصاة أبداً بل بين لهم الحق وأنار لهم الطريق، وغاية ما في الأمر أنه تَعَالَى لم يوفقهم للخير، فسلكوا طريق الشر، ثُمَّ أقام عليهم الحجة فازدادوا كفراً، وكلما ظهرت الدلائل القوية المؤكدة لهم أنهم عَلَى باطل وكفر ازدادوا كفراً وعتواً وجبروتاً، كما حصل لقوم فرعون ولكفار قريش ولكل المكذبين الجاحدين في كل زمان ومكان.
ولهذا يجب علينا أن نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دائماً أن يوفقنا لما يحب ويرضى، ونسأله أن لا يكلنا إِلَى أنفسنا طرفة عين، ونعلم ونوقن أن الفضل لله وحده، وأن الخير من عنده وحده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأننا لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً، فهو الذي يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت عند سؤال الملكين، وهو الذي يمن عليهم بأن يجوزوا الصراط، وهو جل شأنه الذي يدخلهم الجنة بفضله تَعَالَى وكرمه، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رَسُول الله! قَالَ: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) .