للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلم نقصد بكلمة الجهة حيزاً معيناً، وإنما أردنا شيئاً اعتبارياً أي: بالنسبة للكون فإنه توجد جهة ينتهي إليها فنقول ما فوق الكون، فلو قلنا: الكرسي فوق السماوات السبع، وفوقه العرش والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فوق العرش، إذاً الجهة هنا ليست شيئاً وجودياً وإنما شيئاً اعتبارياً، وقد قلنا -ونعيد-: إن الجهة يمكن أن تكون أشياء اعتبارية فقط، فنحن -مثلاً- نقول للسقف: إنه عالٍ علينا وما ذلك إلا باعتبارنا نَحْنُ لأننا تحته.

ولو أن هنالك بيتاً للنمل في سقف، والنمل يمشي فيه، فبالنسبة للنملة يكون العلو ما نَحْنُ عليه ونعده أسفل، فالقصد أن هذا شيئاً اعتبارياً.

فباعتبار الكون وأنه كله ضئيل وحقير بالنسبة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هل هناك جهة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ نعم، جهة الفوقية، أي: أن الله فوق هذا الكون، ولكن نفاة لفظ الجهة نفوا الاحتمال الصحيح ويريدون بذلك نفي العلو.

اللازم الباطل

يذكر نفاة العلو من أدلتهم: أن الجهات كلها مخلوقة -وهذا في جميع كتب الأشعرية والمعتزلة - فكيف نثبت له جهة وهو موجود قبل الجهات؟ وهو الذي خلق الجهات؟ ولو قلنا: إنه في جهة للزم أن يكون شيء من العالم محيطاً به!!

وهَؤُلاءِ يتكلمون عن الجهة باعتبارها حيزاً معيناً في طرف من أطراف الكون، وهذا من ضعف الخيال الإِنسَاني ومن قصور العقل البشري، نعم. الجهات كلها مخلوقة إذا قُصِدَ بالجهات الحيز، وأما إذا كنا نريد بها شيئاً اعتبارياً فليس بلازمٍ أن يكون في حيز، وإنما الجهة التي يمكن -على كلامهم- أن تمنع هي أن تكون من هذا الكون نفسه، بحيث لا يكون في جهة أخرى.

<<  <   >  >>