ولا يُظن بالشيخ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أنه ممن يقول: إن الله ليس داخل العالم ولا خارجه بنفي النقيضين، كما ظنه بعض الشارحين، بل مراده: أن الله تَعَالَى منزه عن أن يحيط به شيء من مخلوقاته، أو أن يكون مفتقراً إِلَى شيء منها، العرش أو غيره] اهـ.
الشرح:
من منهج أهل البدع أنهم يأتون إِلَى المتشابه من الكلام ويؤولونه، فأولوا كلام الله، وأولوا كلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما بالكم بكلام البشر فبعض الماتريدية الحنفية المتأخرين في شروحاتهم عَلَى هذه العقيدة أو في كتبهم الأخرى يقولون: إن الإمام أبا جعفر الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ عَلَى العقيدة الماتريدية أي: عَلَى القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ويستدلون عَلَى ذلك بأنه قَالَ:"لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات"، يقولون: والمعنى واحد.
وعليه: فالإمامأبو جعفر عَلَى مذهبنا، وهذا الكلام الذي نقوله هو مذهب الإمام أبى جعفر الطّّحاويّ، وهو مذهب الإمام أبى حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ كما سيذكر المصنف، والسبب الذي أوقعهم في ذلك هو اللبس والإجمال في العبارة ولهذا ينتقد المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ هذه العبارة لأنها تؤدي إِلَى هذا اللبس فأخذ في إبطال ذلك فقَالَ: [إن قول الشيخ: "لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات" هو حق باعتبار أنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته، بل هو محيط بكل شيء وفوقه، وهذا المعنى هو الذي أراده الشيخ رَحِمَهُ اللَّهُ لما يأتي في كلامه أنه تَعَالَى محيط بكل شيء وفوقه] .
وهذا الكلام مشابه لقوله في موضع آخر:[وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه] .
فتركوا هذا الكلام الصريح المحكم وأخذوا بقوله المتشابه:"لا تحويه الجهات الست" وبناءً عليه قالوا: لا هو داخل العالم ولا خارجه ولا عن يمينه ولا عن شماله ولا فوقه وتحته!