للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ بيَّن المُصْنِّف أن العبارات المجملة الأولى أن لا تطلق، ويكتفى بما ورد عن الله ورسوله كالاستواء والنزول ونحو ذلك.

ثُمَّ استطرد يقول: [ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل إِلَى السماء الدنيا] كما ورد بذلك الحديث الصحيح المتواتر الذي رواه جمع من الأئمة، ومن أكثر من أطال في نقل رواياته الإمام ابن عبد البر في كتاب التمهيد، وكذلك شرحه شرحاً مستفيضاً طويلاً شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ في كتابه شرح حديث النزول، فمن ظن أنه عندما ينزل في الثلث الأخير من الليل، ويكون العرش فوقه، أو يكون محصوراً بين طبقتين من العالم.

فإن مثل هذه التصورات الجاهلية السخيفة الساذجة، أساسها سذاجة العقل وضيق الأفق، والإِنسَان مسكين لا يستطيع أن يتخيل شيئاً إلا عَلَى الكيفيات التي يعرفها، كما يُقَالَ: "لو أنّ رجلاً ولد في السجن أو عاش في السجن وهو صغير ولا يرى إلا الصراصير، وأكبر حيوان يراه في السجن هو الفأر، وما خرج إِلَى الدنيا ولا رآها، ويسمع أباه والسجناء يقولون: الفيل، الثور، البقرة، فإنه سيسأل أباه: يا أبي! الفيل أكبر من الفأر أم مثل الصراصير؟!! " وهكذا الفكر والعقل البشري محصور مسجون، فإذا جاءنا نصٌ فيه "ينزل ربنا إِلَى السماء الدنيا " قيل: معناها أنه بين سمائين!! ثُمَّ يتبادر سؤالٌ هل خلا منه العرش أم لا؟!

وهذه تفكيرات ساذجة سطحية تدل عَلَى ضعف إدراك الإِنسَان.

ولهذا أول ما وصف الله به المؤمنين، وهو أعظم وصف لهم في جميع أبواب العقيدة قوله تَعَالَى:الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:٣] فنؤمن بالغيب، ونؤمن بأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- صادق فيما أخبر وأن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذلك، وأن عقولنا عاجزة وكليلة عن إدراك أمور الغيب، وعلى هذه العقول أن تؤمن سواء فهمت حقيقة ذلك وكيفيته أو لم تفهمه، فإذا جادلت وما طلت وكيفت وحُرِفت، فإنها لا تكون مؤمنة بالغيب.

<<  <   >  >>