ثُمَّ استشهد عَلَى ذلك بما قاله الإمام العظيم مُحَمَّد ابن شهاب الزهري فيما رواه الإمامالبُخَارِيّ عنه قال هذه الكلمة الجامعة "من الله الرسالة" وهذه من رحمته أنه منَّ بها وأرسل رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:١٠٧] فالله رحمنا وأرسل الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنزل الرسالة فمن الله الرسالة "ومن الرَّسُول البلاغ" أي: الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبلغ ومبين لِمَا أنزل الله، وعلينا نَحْنُ التسليم، فهذا الكلام العظيم كلام من تأدب بأدب النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأُعطي العلم النافع الصحيح، كما أخذه عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانت له مثل هذه الكلمات وهذا هو الواجب الذي يجب علينا؛ لأن الله قد منَّ علينا بالرسالة ورحمنا بها، والرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، وبين لنا كل خير وكل شر إِلَى أن نلقى الله، وبقي علينا التسليم والانقياد والإذعان.
المثال المضروب للنقل مع العقل
ثُمَّ ذكر المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ المثل المضروب للنقل مع العقل وقد ذكره شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ في درء التعارض فإن الذين يقولون: نقدم العقل عَلَى النقل حجتهم هي: أن العقل هو الذي دلنا عَلَى صحة النقل، فلولا العقل لم نعرف أن هذا رسول، ولم نعرف أن القُرْآن حق، فالعقل هو أصل النقل، وهو الذي دل عليه، والمجنون لا يكلف، ولا يحتاج إِلَى الحق، ولا يعرف صدق رَسُول من كذبه، ولا يفهم آية من غيرها.