فأراد شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أن يزيل هذا اللبس الذي حصل عندهم في علاقة هذا الدليل مع المدلول عليه، فقَالَ: هذا المثل الذي هو للتقريب -وإلا فإنه ليس تشبيهاً من كل جهة- وهو أن مثل العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، فهذا العامي المقلد كلما أمره العالم بشيء فكر فيه وفهمه، ثُمَّ نفذه هذا هو الدور الحقيقي الذي يجب أن يكون عليه هذا.
وليس في هذا المثل مطابقة من كل وجه؛ لأن هذا العامي المقلد يمكن أن يتعلم فيصير عالماً مجتهداً، بخلاف العقل فإنه لن يصل إِلَى رتبته؛ لأن الوحي أو الغيب لا تصل إليه العقول أبداً، فالعالم العاقل مهما أعمل عقله لن يصبح نبياً ولن يعرف علوم الأَنْبِيَاء أبداً، يقول: فإذا عرف العامي المقلد عالماً، ثُمَّ جَاءَ هذا العامي المقلد ودل عامياً آخر عَلَى هذا العالم، وقال له: خذ منه العلم، وكل شيء يقوله لك الشيخ لا بد أن تعرضه عليَّ، فإما أن أوافق عليه وإما أن أخالفه.
فيقول ذلك العامي الغريب: أنت دللتني عليه عَلَى أساس أنه عالم آخذ منه العلم، وإذا كَانَ الأمر كذلك فأنت العالم! فلماذا تدلني عَلَى الشيخ؟ لا حاجة إذن إِلَى العالم أصلاً، وهذا الذي نقوله لمن يقول: تقدم العقول عند التعارض، فنقول: ما فائدة الوحي إذن إذا كنا سنحكم بآرائنا وعقولنا؟!