للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكانوا أيضاً ممن تشَّرب بتلك العقائد وآمن بها، فأخذوا يترجمون هذه الكتب ثُمَّ زينوا للمأمون أن يعتقد عقيدة خلق القُرْآن وقالوا له: إن لم تعتقد هذه العقيدة فإن النَّصارَى يفحموننا ويقولون: إننا نقول مثلهم بأن القدماء أو الآلهة متعددة، ونحن نقول إن الله وحده هو القديم.

دور بطانة السوء

زين رجال السوء للمأمون أن يعتقد القول بأن القُرْآن مخلوق حتى اعتقده واعتنقه وآمن به وكان له وزير يسمى أحمد بن أبي دؤاد وهو أبرز من زين له هذه البدعة، وكان من تلاميذ تلاميذ الجهم، فلما استقر المأمون على ذلك، لم يكتف بأن يعتقد البدعة؛ بل كتب أوامره إِلَى جميع الولاة في الدولة جميعاً أن يرغموا الناس، ويمتحنوهم عَلَى القول بخلق القرآن.

فمن قال به نجا، ومن لم يقل بذلك فإنه يجلد ويعذب ويضرب، حتى يقول بهذه العقيدة الضالة المبتدعة، ومن هنا عظمت المحنة عَلَى علماء الإسلام، وابتلوا في كل مكان بالحبس والسجن والأذى، واشتد الأمر، وعظم الخطب، ونكل بهم المبتدعة الذين ولاهم ابن أبي دؤاد، وكانوا شديدي الحقد عَلَى هَؤُلاءِ العلماء من أهل السنة الذين هم عَلَى العقيدة الصحيحة.

بلاء أهل السنة في هذه الفتنة

ومن لم يدن بهذه البدعة من الْمُسْلِمِينَ ناله بلاء عظيم ونكال كبير بسبب هذه الفتنة، ولم يبق من العلماء المشهورين إلا ثلاثة نفر، وكان الإمام أَحْمَد هو ثالثهم وأشهرهم، فأكثر العلماء تهربوا عن الجواب، أو جاملوا، وبعضهم سجن في بعض البقاع أو جلد، لكن لم يكن لهم من قوة التأثيرما كَانَ للإمام أَحْمَد.

فالإمام أَحْمَد كان في بغداد -العاصمة- وكان أكبر علماء الإسلام في عصره؛ لأن هذا الكلام كَانَ بعد وفاة الإمام الشَّافِعِيّ فقد قيل: إنه أدرك أول الفتنة.

لكن الامتحان الحقيقي كَانَ في آخر أيام المأمون، بدليل أن المأمون مات قبل أن يصل إليه الإمام أَحْمَد حين استدعاه.

<<  <   >  >>