للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان الإمام أَحْمَد أكبر علماء الإسلام في الحديث، وكانت الأمة مُصغية الآذان لما يقوله الإمام أَحْمَد، فإن وافق الإمام أَحْمَد لم يبق أحد إلا وافق، وإن رفض فلا موافقة، وإن كَانَ في ذلك من الأذى ما فيه، ولهذا لما جيء بالإمام أَحْمَد وسجن جَاءَ إليه بعض النَّاس فقَالَ: يا إمام!

قد ابتُليتَ وعُذبتَ، وقد جعل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لك فسحة في قوله: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ [النحل:١٠] فلماذا تعذب نفسك يا أَحْمَد؟!

الإمام أحمد يسترخص نفسه في سبيل الحق

لقد ضَرب الإمام أَحْمَد حتى انشقت خاصرته وخرجت أمعاؤه منها، من شدة ضرب السياط كل ذلك من أجل أن يقول: إن القُرْآن مخلوق، وهو يأبى أن يقول بدعتهم، وناظرهم بالحجة والبيان.

فلما أفحموا وعجزوا لجأوا إِلَى الضرب، وهذه حجة من لا يملك الحجة، وقد قال لهم الإمام أَحْمَد: تريدون أن أوافقكم عَلَى قولكم؟ قالوا: نعم.

قَالَ: اخرجوا فانظروا!

فخرجوا وإذا بالنَّاس أفواجاً وبأيديهم الأقلام، وعندهم المحابر والورق، فقالوا لهم: ماذا تنتظرون قالوا: ننتظر ما يقوله الإمام أَحْمَد فنكتبه.

فرجعوا إليه فَقَالَ لهم الإمام أَحْمَد: ماذا رأيتم؟

قالوا: رأينا النَّاس جالسين ينتظرون ما تقول، فيكتبونه.

قَالَ: والله لأن أموت أهون عليَّ من أن أُضل الناس؛ لأنه يعلم أن الكلمة التي سيقولها ستكتب وتؤخذ عَلَى أنها دين وتنتشر في الآفاق، والنَّاس لا يدرون أن الإمام أَحْمَد مُكَرَهَ؟! وأنه لا يرضى بذلك؟! وكيف يتدارك الأمر فيما بعد؟! هذا شيء غير مضمون.

ولذلك نفهم من هذا دقة فهم الإمام أَحْمَد، ففي حالة الإكراه يجوز للإنسان أن يقول كلمة الكفر، لكن إذا كَانَ الأمر يقتضي من الإِنسَان أن لا يقول الكفر وأن يقف موقف الحق، فإنه مهما أكره ومهما أوذي فإنه يجب ويتعين عليه أن لا يقولها.

<<  <   >  >>