للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالإمام أَحْمَد رأى أن الأمة كلها تريد أن تسمع ما يقول، فلابد حينئذٍ أن يثبت أمام هذه الضلالات ولو أدى الأمر إِلَى قتله، فيقتل ويُقَالَ: قتل؛ لأنه لم يوافقهم عَلَى كلامهم، فيبقى الحق حقاً ولو قتل من قتل في سبيل بقاء هذا الحق هكذا كَانَ رأي الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ -وقد رفعه الله -عَزَّ وَجَلَّ- بهذا الموقف وهذا الصبر.

لله درك يا أحمد

لقد قال كثير من علماء الإسلام: إن موقف الإمام أَحْمَد في المحنة كموقف أبي بكر الصديق يوم الردة وقد ذكرنا -سابقاً- أن المأمون لم يلتق بالإمام أَحْمَد لأن الإمام أَحْمَد دعا الله تَعَالَى أن لا يريه إياه، وفي الطريق جَاءَ الخبر بأن المأمون قد مات، وقد كَانَ الإمام أَحْمَد من قبل حدوث القول بخلق القُرْآن يتجنب السلاطين، فلا يدخل عليهم ولا يقبل هداياهم.

بل كَانَ ابنه صالح قاضياً وكان من أعدل القضاة وأعلمهم بالكتاب والسنة، وكان الإمام أَحْمَد لا يأكل من طعامه، قَالَ: لأنه يأخذ من أموال هَؤُلاءِ الظلمة، فهذا حال الإمام أَحْمَد أنه كَانَ لا يدخل عَلَى السلاطين حتى ولا في حال المودة؛ بل إن المتوكل الذي جَاءَ وأحيا السنة وأعادها، وزجر المبتدعة ونكل بهم وعذبهم حتى ماتوا ومنهم ابن أبي دؤاد، لم يكن الإمام أَحْمَد يدخل عليه، ولما أصر المتوكل عَلَى أن يزوره الإمام أَحْمَد ذهب إليه الإمام، واشترط عليه أن لا يحضر مجلسه، فكان يؤتى بالطعام فلا يأكله، وكان يواصل إلا أنه يشرب الماء، فبقي ثمانية أيام حتى كاد أن يهلك جوعاً، كما قال ابنه عبد الله وكان الذي تولى الخلافة من بعد المأمون المعتصم وهو الذي قام بتعذيب الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ.

المعتصم رجل عسكري والمأمون رجل فلسفي

<<  <   >  >>