للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم يكن المعتصم مثل المأمون، فلقد كَانَ المأمون رجلاً فلسفياً متبحراً في العلم والجدال والفلسفة التي تعلمها، وكان يحضر في مجلسه العلماء من اليهود والنَّصَارَى والْمُسْلِمِينَ والفلاسفة فيتجادلون جميعاً ويشاركهم جميعاً، ويرى أن هذا من كثرة تمكنه وعبقريته وعقله، أما المعتصم فكان رجلاً عسكرياً، فقد كانت أمه تركية من الأتراك العسكر وتربى تربية عسكرية، ولم يكن يدرك هذه الأمور، فلم يكن يعرف إلا السوط، فلما تولى الخلافة وأراد أن يرفع الفتنة فزُين له الوزراء، وقالوا له: إنك إن فعلت ذلك تكون قد شهدت عَلَى من قبلك بالضلال.

فلا بد أن تستمر، وإلا يُقَالَ: إنه عجز منك وخور، كيف تترك رجلاً واحداً، ومن معه يعمل كل هذا العمل؟! فهل تعجز الدولة عن هَؤُلاءِ؟!

فلما زينوا له ذلك آذى العلماء وضربهم وعذبهم، واقتاد الإمام أَحْمَد بالقوة وأحضره إليه، وأخذ يحاول وينصح الإمام أَحْمَد كثيراً، ويقول: يا أَحْمَد! لا أريد عذابك، يا أَحْمَد! والله إني أكره أن أضرك، ويقول له: قل القُرْآن مخلوق، فيأبى الإمام، فيذهب الوقت الطويل في الاسترضاء، فيشتد الغضب بالمعتصم بعد ذلك فيأمرهم أن يضربوه، ويشتدوا في الضرب، وكان هذا حاله معه أياماً كثيرة.

فكانت هذه المحنة العظمى للأمة من أجل أن تقر وتوافق بأن كلام الله عَزَّ وَجَلَّ مخلوق، وأنه ليس وحياً منزلاً من عند الله وأنه لم يتكلم به عَلَى الحقيقة.

المتوكل ونصره للسنة

<<  <   >  >>