عندما تولى المتوكل بعد المعتصم انتصر الإمام أَحْمَد -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- بل انتصر الحق فانتصرت السنة عَلَى البدعة، ولقي المبتدعة من النكال والأذى من الأمة أكثر مما لقوا من المتوكل عندما رجع إِلَى السنة، فإن المعتزلة وأمثالهم قد شهر الله تَعَالَى أمرهم وفضحهم في جميع البلاد وأصبح الْمُسْلِمُونَ -حتى العوام منهم في الأقطار المتنائية- إذا علموا أن فلاناً من المعتزلة يكادون أن يرجموه بالحجارة، ويحتقرونه ويطردونه ويذلونه، ولهذا يجب أن ندرس حقائق التاريخ، وكيف تقاوم البدع؟
فإن في ذلك عبراً كثيرة جداً، وأعظم عبرة في هذا هي أن الإِنسَان لا يرد البدعة ببدعة، وهذا من منهج أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ أنهم يردون البدعة بالسنة ويردون الآراء والأهواء والفلسفات يقول الله، وقول رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقوال الصحابة والتابعين وهذا هو منهجنا.
فلقد حاول القوم أن يتأولوا في الكلام، فتارة يقولون: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر: ٦٢] أليس كذلك يا أَحْمَد؟
فَيَقُولُ: بلى.
فيقولون: أليس القُرْآن شيء؟
فَيَقُولُ: بلى.
فيقولون: إذاً القُرْآن مخلوق.
فيرد عليهم الإمام ويقول: ألم يقلِ اللهُ تباركَ وتعالى عن الريح: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [الأحقاف:٢٥] .
قالوا: بلى.
قَالَ: أليست الأرض شيء والسماوات شيء؟
فيقولون: بلى.
فَيَقُولُ: فهل دمرتها الريح؟
فيقولون: لا، وهكذا كَانَ يقاوم الحجة بحجة أقوى منها.
فيقولون -مثلاً-: يقول الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:١] أليست جعل بمعنى خلق؟