للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلما جَاءَ المتكلمون وجاء المعتزلة وترجموا كتب أُولَئِكَ مالوا مع القول الذي يثبت وجود الله؛ لأن هَؤُلاءِ ليسوا منكرين لوجود الله، فأخذوه وأخذوا أدلة أُولَئِكَ بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى موجود، وأن الكون حادث، وإن كانوا لا يقولون: مخلوق وخالق، وإنما يقولون: هو حادث وأزلي وقديم فقط، فَقَالَ لهم المتكلمون: نَحْنُ نستدل عَلَى أن هذا الكون حادث بأنه تطرأ عليه الأعراض والتغيرات عرض بعد عرض وحال بعد حال فهذا دليل عَلَى أن الكون غير قديم بل هو مخلوق، فلما جاءوا يطبقون هذا عَلَى صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وقع الخلاف.

فالفلاسفة الذين يثبتون وجود الله يثبتون أنه علَّةٌ تامة، ولا يصفونه بأي صفة ثبوتية وجودية، وإنما يصفونه بالسلوب والإضافات.

يقولون: ليس بجاهل، ولا ظالم، ولا ذليل، ولا يصفونه بأنه عالم حكم عدل عزيز، فلما انتقلت هذه إِلَى الْمُسْلِمِينَ من المعتزلة وأمثالهم جاءوا فأرادوا أيضاً أن يأخذوا نفس الشيء لئلا ينتقض عليهم أصلهم؛ لأنهم قالوا: إن ما تقوم به الأعراض والأحوال، وتحل به الحوادث -كما يسمونها- لا يمكن أن يكون قديماً، وأزلياً لا أول لوجوده وإنما هو حادث، ويقرؤون في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتكلم متى شاء، وأنه يغضب، ويرضى، ويريد، ويشاء، ويختار، ويخلق، وفي الحديث الصحيح أنه ينزل، وأمثال ذلك.

فقالوا: هذه حوادث وأعراض وأحوال، فإذا قلنا: إن الحوادث والأعراض تحل بالله فهو حادث وليس بقديم؛ إذاً ليس هناك دليل لدينا عَلَى أن نثبت وجود الله، فأصبحنا كأننا ننفي وجود الله، فصاروا بين نارين:

إما أن يلتزموا القول بأن هذه فعلاً حوادث وأعراض تقوم بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فهو حادث مثل سائر الحوادث والعياذ بالله.

وإما أن يقولوا: لا تقوم به هذه الحوادث، والأعراض وينفون عنه هذه الصفات، فيكون إذاً قديماً وأزلياً.

<<  <   >  >>