أي أنه: أحياناً يكون مع الفلاسفة، وأحياناً يكون مع المعتزلة ضدالفلاسفة، فَقَالَ في أول كتابالتهافت نَحْنُ نرد عَلَى الفلاسفة بكل قول، أي: بقول المعتزلة، وبقول الكرامية، وما أشبههم، ومعنى هذا أنه ليس لأبي حامد مذهب معين ثابت ينطلق منه من أول حياته إِلَى قريب من نهايتها. المهم أن يرد عليهم، ثُمَّ هو في موضع آخر يرد عَلَى المعتزلة، أو يرد عَلَى غيرهم، فكان يأخذ من كلامالأشعرية، ومن كلام المعتزلة، ومن كلام الكرامية، ويرد به عَلَى الفلاسفة ثُمَّ هو في نفس الوقت يرد عَلَى الأشاعرة في بعض المواضع وينتقدهم، ويرد عَلَى المعتزلة أيضاً ثُمَّ يوافقهم في بعض المواضع، مع أنه أكثر ما كَانَ يميل إِلَى الأشعرية، وهكذا كَانَ منهجه مضطرباً.
والذي يهمنا هنا أن نقول: كَانَ هذا المذهب هو مذهب الصابئة ومذهب المتفلسفة، والمنتسبين أيضاً إِلَى الإسلام من الفرق والطوائف التي اتبعتهم كالباطنية والإسماعيلية والنصيرية والدروز وأمثالهم.
والخلاف الذي بين الفلاسفة في تحديد هذه الأمور بالدقة هو أيضاً موجود بين الفرق الإسماعيلية والدروز.
وأيضاً وقع في هذه القضية أو تأثر بها أبو حامد الغزالي وهو ممن دخل في الفلسفة، ودخل أيضاً مع الباطنية، ثُمَّ ترك الطائفتين، ولكنه كما قال تلميذه الإمام أبو بكر ابن العربي دخل شيخناأبو حامد في الفلسفة ولم يستطع أن يخرج منها، فقد بقيت آثارها فيه، ولم يستطع أن يتجرد ويتخلى منها بالكلية.