ثُمَّ إن الأدلة كثيرة جداً في إبطال قولهم: إن الكلام هو كلام النفس، وإثبات أن الكلام إنما هو الألفاظ أو الأصوات أو الحروف في حق أيُّ إنسان يُقال ذلك، ولهذا لا يأتي في القُرْآن ولا في السنة الكلام النفسي إلا مقيداً كما قال الله: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ [المجادلة:٨] لو لم يقل الله تَعَالَى في أنفسهم، لفهمنا أنهم يصرحون بذلك لكن قوله: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ هنا مقيد بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل) .
فلو أن إنساناً خطرت له شبهة شيطانية وحدث بها نفسه، فهل نجعله مثل من تكلم بها، ودعا إليها، وجاهر بها؟
الجواب: ليس هذا مثل هذا عَلَى قول ابن كلاب إن الكلام هو ما في النفس،. ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في معاوية بن الحكم السلمي لما تكلم في الصلاة:(إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النَّاس إنما هي قرآن وذكر وتسبيح) فإذاً كَانَ حديث النفس كلاماً فكل مصلٍ يتحدث ويتكلم وعلى هذا فصلاة النَّاس باطلة، لأنه لا يخلو مخلوق إلا من عصمه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من أنه يحدِّث نفسه ولو في فريضة من الفرائض أو أكثر في العمر، فإذاً لو كَانَ كلام النفس هو الكلام الحقيقي، فعلى هذا القول فكل واحد صلاته باطلة، لكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعتبر ما يدور في النفس كلاماً، ولم يُسم الشرع ولا العرف اللغوي ولا لسان العرب حديث النفس كلاماً.