للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في هذا الكلام بين المصنف أن هذا مذهب السلف الصالح وأنهم صدقوا أن يكون القرآن كلام الله منزل غير مخلوق حقاً، وأنهم آمنوا بذلك بالحقيقة وفي قوله بالحقيقة تأكيد في الرد على القائلين بأنه معنى واحد قائم بالذات، أي: المعنى النفسي القائم بذات الباري سبحانه وتعالى لم يتكلم به، ولم يسمعه منه الملك فضلاً عن أنه سمعها غير الملك.

ولهذا عاد فألزمهم بما قد سبق أن ذكره، وهو أن إثبات الكلام النفسي يلزم منه أن يكون الأخرس متكلماً، وهذا واضح لأنَّا إذا قلنا: فلان يتكلم بمعنى أن غيره يعبر عنه أو يحكي عنه، فإن الأخرس يقال له متكلم لأن غيره يحكي عنه ويلزم منه أيضاً ألا يكون الذي في المصحف عند الإطلاق هو كلام الله عز وجل.

أما ابن كلاب، فيلزمهم أن يقولوا: إن هذا ليس كلام الله وقد ذكرنا أنهم يقولون: إن القرآن الذي في المصحف مخلوق، ولكنهم قالوا: لا يُقال ذلك إلا في مقام التعليم ولا يقال أمام العامة، حتى لا يفهم عنهم أنهم معتزلة.

فنحن نقول: إن هناك كلاماً نفسياً وكلاماً لفظياً لكن لايقال إلا في مقام التعليم: وإن هذا الكلام المقروء المسموع المكتوب مخلوق، وأما النفسي فإنه غير مخلوق، فهذا مذهب الكلابية الذي تفرع منه الأشعرية والماتريدية، وهم يقولون إن الله -عز وجل- لايتكلم، أو أن الله سبحانه وتعالى كلَّم واحداً من الناس فكتب هذا الكلام، فإنه لم يسمع حرفاً ولا صوتاً، وإنما كتب هذا المعنى أو هذا الكلام، والمكتوب هو: عبارة أو حكاية عن كلام الله -عز وجل- فمن خلال هذا المثال يتضح أن مذهبهم باطل.

وهم لم يقولوا: إن الله أخرس -كما ذكر المصنف- ولا يلتزمون ذلك!

فنقول هذا لازم لكم، ولو تأملتم فإنه لا فرق بين هذين المثالين، فلا بد أن تثبتوا أنه سبحانه وتعالى يتكلم حقيقة، وأن الملك يسمع منه الكلام على الحقيقة، ثم ينقله الرسول الذي يسمع منه.

<<  <   >  >>