وأيضاً: القول بأن الله خلق كلامه في الملك نفس الشيء أو في الهواء أو في أي شيء آخر كما يقوله بعضهم.
ثم يرد عليه أيضاً بحجة عقلية قوية وهي: أنكم يا كلابية منأشعرية وماتريدية تقولون: إن القرآن معنى واحد: الخبر والأمر والنهي والاستفهام كله واحد.
وقلنا كما سبق أن هذا الكلام معناه أنّ قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:٣٢] مثل قوله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ [النساء:٤٣] وهذا غير معقول؛ لكنهم يقولون: إنَّ معنى ذلك واحد، إن عُبِّرَ عنه بالعربية كان قرآنا، أو بالعبرانية كان تواره، أو بالسريانية كان إنجيلاً إلى آخر ما يفصلون في كتبهم.
فيقال: ما الذي سمع موسى عليه السلام من ربه -عز وجل- لما كلمه؟
إن قالوا: سمع جميع كلام الله؛ لأنه معنى واحد لا يتجزأ ولا يتبعض، فهذا واضح البطلان؛ لأنه إنما سمع بعضه.
وإن قالوا: سمع البعض.
قلنا: إذاً قد أقررتم أنتم بالتبعيض وبالتعدد، فقد ناقضتم أنفسكم، وهذا اعتراف منكم بأن قولكم:"إنه معنى واحد لا يتبعض ولا يتعدد قائم بالنفس" باطل، ثم نقول: هل سمع موسى عليه السلام كل ما في نفس الله سبحانه وتعالى، فإن قالوا نعم فهذا باطل؛ لأنه سبحانه وتعالى لا أحد يحيط بعلمه أبداً فعلمه سبحانه وتعالى فوق إدراك كل إنسان. والله -عز وجل- إذا كلَّم إنساناً، فإنما يُكلمه بشيء قليل جداً بالنسبة كلامه -عز وجل- الذي لو كان البحر مداداً له لنفد البحر بل تنفد سبعة أبحر قبل أن تنفد كلماته سبحانه وتعالى، فإذاً موسى سمع شيئاً قليلاً جداً من كلام الله عز وجل، وعلى قولكم: إنه معنى في النفس هل يفهم جميع المعاني أي: كل ما في نفس الله -عز وجل- يفهمه أو يعلمه إنسان يكلمه الله عز وجل؟! هذه الأمثلة براهين وحجج واضحة تدل على بطلان مذهبهم.