وكذلك مخاطبة الله عز وجل للملائكة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ولما قال لهم: اسْجُدُوا لِآدَم وعندما يُخاطبُ الله عز وجل، عيسى يوم القيامة عليه السلامأَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّه [المائدة:١١٦] .
هل هذا الكلام هو كل كلام الله عز وجل؟
لا يقول ذلك عاقل؛ لأن هذا بعض كلام الله، ومعناه واضح والحمد لله، ويسمعه عيسى عليه السلام، ويجيب عليه السلام بما ذكر الله -عز وجل- في القرآن، إذاً فالقول بأنه معنى واحد قائم بالنفس لا يتصور سماعه، مكابرة للعقول ومن يقرأ في الحواشي العضدية والنسفية في التعليق على هذا الكلام يجد الألغاز المعماة المعقدة في شرح معنى أن الله تكلم، ومعنى الكلام، ومعنى كلام نفسي، يجد أشياء غريبة جداً، ولو أن هذا هو ديننا الذي أنزله الله والذي يجب أن نعتقده، لما دخل الجنة أحد إلا هؤلاء أصحاب الألغاز، وهم أيضاً متناقضون مختلفون، فلا ندري من يدخل الجنة منهم، سبحان الله!
فالله -عز وجل- أنزل إلينا الدين واضحاً جلياً، فكل ذي فطرة وعقل سليم يفهم من معنى الكلام أن الكلام منه بدأ، وهو الذي تكلم به على الحقيقة، أما كيفية كلام الله -عز وجل- فشأنها كشأن سائر الصفات لا نخوض في الكيفية، ولن تدركها عقولنا بأية حال من الأحوال هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا الموضع.
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:
[وللناس في مسمى الكلام والقول عند الإطلاق أربعة أقوال:
أحدها: أنه يتناول اللفظ والمعنى جميعاً، كما يتناول لفظ الإِنسَان للروح والبدن معاً، وهذا قول السلف.
الثاني: أنه اسم للفظ فقط، والمعنى ليس جزء مسماه، بل هو مدلول مسماه، وهذا قول جماعة من المعتزلة وغيرهم.
الثالث: أنه اسم للمعنى فقط، وإطلاقه عَلَى الفظ مجاز؛ لأنه دالٌ عليه، وهذا قول ابن كلاب ومن اتبعه.
الرابع: أنه مشترك بين اللفظ والمعنى، وهذا قول بعض المتأخرين من الكلابية.