ولهم قول خامس يروى عن أبي الحسن أنه مجاز في كلام الله حقيقة في كلام الآدميين؛ لأن حروف الآدميين تقوم بهم فلا يكون الكلام قائماً بغير المتكلم بخلاف كلام الله، فإنه لا يقوم عنده بالله، فيمتنع أن يكون كلامه، وهذا مبسوط في موضعه] اهـ.
الشرح:
هذا الكلام استطراد لكن لا بأس أن نعرفه وإن كَانَ ليس مهماً لأنه من فضول العلم وهو في الحقيقة خوض في أمور فلسفية وذلك أنهم تأملون فَقَالُوا: هل الكلام -حقيقة- هو اللفظ، أي: هل هذه الألفاظ (ك، ت، ب) مجردة عن المعنى هي الكلام؟ أو أن الكلام يطلق عَلَى اللفظ بمعناه مع بعض دون فصل بينهما، أو يطلق عَلَى واحد منهما؟ هذا من التفصيل الذي خاض فيه المتأخرون، والأقوال فيه أربعة، وذكر المُصنِّفُ قولاً خامساً في ذلك.
القول الأول: ما عليه السلف الصالح، وعليه العقلاء من النَّاس أجمعين أن الكلام يتناول اللفظ والمعنى بغير فصل، كما أن كلمة إنسان تتناول البدن والروح، أي الجانب الظاهر منه والجانب الباطن فالكلام يشمل الصوت الذي يصدر من الحلق أو الحرف مع المعنى أيضاً المقترن به ولا انفكاك بينها.
والقول الثاني الذين قالوا: الكلام في الحقيقة هو اللفظ فقط، أي: مجرد الحروف أو مجرد الهواء الذي يخرج من الأجهزة الصوتية، وأما المعنى فهو يطلق عليه بالمجاز أو هو مدلوله، وهذا مذهب جماعة من المعتزلة.
والقول الثالث: قول الأشعرية وهو ضد قول المعتزلة أن الكلام في الحقيقة هو المعنى وأما الألفاظ التي تخرج فهذه لا تسمى كلاماً إلا مجازاً.