وهنا معنى عجيب وهو أن هذا القول له شبهٌ قويٌ بقول النَّصارَى القائلين باللاهوت والناسوت، فإنهم يقولون: كلام الله هو المعنى القائم بذات الله الذي لا يمكن سماعه، وأما النظم المسموع فمخلوق، فإفهام المعنى القديم بالنظم المخلوق يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النَّصارَى في عيسى عَلَيْهِ السَّلام، فانظر إِلَى هذا الشبه ما أعجبه] اهـ.
الشرح:
استدل الذين يقولون: بأن كلام الله هو الكلام النفسي، بأن القُرْآن المتلو والمحفوظ والمسموع والمقروء الذي بين أيدينا في المصاحف مخلوق، وأن الكلام الذي هو صفة الله هو المعنى القائم في نفسه -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ومن جملة الشبهات التي أوردوها: عَلَى ذلك البيت المنسوب إِلَى الأخطل وهو:
يقولون: إن هذا الشاعر يعبر ويشرح معنى الكلام ويقول: إن الكلام لفي الفؤاد، فالكلام في الحقيقة هو ما في النفس، أي: ما يقوله الفؤاد وما يقوم في القلب من المعنى، وأما اللسان فإنما هو مُعبِرٌ عمَّا في الفؤاد فقط، ولذلك فهم عندما يقولون: إن القُرْآن ليس هو كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، وإنما هو عبارة أو حكاية عن كلام الله، فإن هذا المعنى صحيح؛ لأنه يتفق مع هذا البيت، وقد أخذ العلماء في رد هذا القول من عدة أوجه كما ذكر المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هنا جملة من ذلك.
الوجه الأول: أن البيت مصنوع
هذا البيت موضوع كما في بعض النسخ، والأفضل أن يُقَالَ: إنه مصنوع؛ لأن كلمة موضوع خاصة بمصطلح الحديث وهو الأولى، فالحديث المكذوب عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقال له: الموضوع؛ لأنه وضع عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.