أما نَحْنُ فإننا نعتقد أن عيسى كلمة الله كما أخبر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في قول الملائكة لمريم إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [آل عمران:٤٥] ، وكما جَاءَ أيضاً في الحديث الآخر الصحيح (وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إِلَى مريم وروح منه) ، وسمي بالكلمة: لأنه وجد بكلمة من الله، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- قال له: كن، فكان إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:٥٩] فليس عيسى هو نفس كلمة الله -عَزَّ وَجَلَّ- ولكن لأنه وجد بالكلمة، فأطلقت عليه الكلمة، وليس هو نفس ذات الكلمة، فهو خارج عن العادة في الخلق، فالعادة أن يُخلق النَّاس من أم وأب إلا أن آدم خلقه الله -عَزَّ وَجَلَّ- لأنه أول الخلق من غير أم ولا أب، وخلق المسيح من أم بلا أب، فهذا مثل هذا من حيث أنه وجد بكلمة من الله -عَزَّ وَجَلَّ- وليس بالعادة والسنة الإلهية التي جعلها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كل مولود.
فالنَّصَارَىتقول: إن عيسى هو نفس الكلمة، وعيسى الذي هو كلمة الله هو بشر من ناحية، وهو إله من ناحية أخرى، فاتحد الناسوت باللاهوت، أي: اتحد عنصر الناسوت الإنسي البشري باللاهوت وهو العنصر أو الأقنوم الإلهي، فتركب منهما عيسى عَلَيْهِ السَّلام، ولذلك يقول النَّصَارَىكما في الأناجيل وكما يرددونه في الإذاعات: إن المسيح لمَّا ركبَ في الزورق هو وطائفة من أصحابه، فهاج بهم الموج، فخافوا من الغرق، فكان عيسى لمَّا خاف من الغرق في الحالة الناسوتية -أي: أنه بشر مثل البشر خاف أن يغرق- وبعد قليل قال عيسى عَلَيْهِ السَّلام للزورق: اهدأ فهدأ البحر وهدأ الزورق ونجا هو وأصحابه، فَقَالُوا: في هذه الحالة كَانَ يتكلم باسم الحالة اللاهوتية.