وهذا اتضح حينما قلنا: إن النَّصَارَىيقولون: حلَّ الناسوتُ باللاهوت، وهذا بمعنى أنه يقوم مقامه ويتكلم باسمه، فكذلك يقول هَؤُلاءِ: إن الكلام المخلوق الذي في المصحف هو عبارة أو حكاية عن كلام الله، فالعلاقة بين المعنى القائم بالنفس، وبين الكلام المخلوق أو النظم الموجود بين الدفتين في المصحف تُشَابِهْ تماماً العلاقة التي تقولها النَّصَارَىبين الناسوت واللاهوت ففي هذا مشابهة عجيبة ودليل عَلَى أن هذه الفكرة أصلها ومنشأها من غير الإسلام.
وقد أشرنا إِلَى ذلك عندما استعرضنا في أول مبحث الكلام وهو: أنهم أخذوه من النَّصَارَىوأرادوا أن يردوا عَلَى النَّصَارَىفاضطروا إِلَى القول بأنه مخلوق، فسواء كَانَ التأثير مباشراً، أو ردة فعل عكسية، فأيا كَانَ الأمر فإن هذا القول غريب عن دين الإسلام والْمُسْلِمِينَ.
قال المصنف -رحمه الله- تعالى:
[ويرد قول من قال: بأن الكلام هو المعنى القائم بالنفس قوله صلى الله عليه وسلم: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) وقال: (إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة) واتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم في الصلاة عامداً لغير مصلحتها بطلت صلاته واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة، وإنما يبطلها التكلم بذلك فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام.