وأيضاً ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به) فقد أخبر أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم ففرق بين حديث النفس وبين الكلام وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به والمراد حتى ينطق به اللسان باتفاق العلماء فعلم أن هذا هو الكلام في اللغة لأن الشارع إنما خاطبنا بلغة العرب وأيضاً في السنن أنمعاذاً رضي الله عنه قال: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال: (وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) .
فبين أن الكلام إنما هو باللسان، فلفظ القول والكلام وما تصرف منهما من فعل ماض ومضارع وأمر واسم فاعل إنما يعرف في القرآن والسنة وسائر كلام العرب إذا كان لفظاً ومعنى ولم يكن في مسمى الكلام نزاع بين الصحابة، والتابعين لهم بإحسان وإنما حصل النزاع بين المتأخرين من علماء أهل البدع ثم انتشر.
ولا ريب أن مسمى الكلام والقول ونحوهما ليس هو مما يحتاج فيه إلى قول شاعر فإن هذا مما تكلم به الأولون والآخرون من أهل اللغة وعرفوا معناه كما عرفوا مسمى الرأس واليد والرجل ونحو ذلك] اهـ
الشرح:
يستمر المصنف -رحمه الله- تعالى في بيان هذه الحقيقة وهي: أن القول أو الكلام وما يتفرع عنه من الفعل أو المصدر أو اسم الفاعل، إذا قلنا: قال فلان أو يقول أو قولاً أو تكلم كلاماً كل هذا فإن المراد به الكلام المعروف المعهود عند الناس وهو المنطوق باللسان أي: يشمل اللفظ والمعنى معاً ولم يعهد عن أحد من السلف من التابعين أو الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- أنه قال بالفرق بينهما كما تقدم بيانه وأن هذا إجماع منهم.