فالله تجاوز عن حديث النفس الخواطر والهواجس فإذا تكلمت به وعملت به فإنها تؤاخذ بما تكلمت وعملت، ولكن من شك في بعض ما أخبر الله به أو أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الشك استيقن به صاحبه، حتى أصبح عنده حقيقة، فكيف ينطبق عليه هذا الحديث؟ هو لم يتكلم ولكن هذا الشك انتشر حتى صار مؤكداً وحقيقة في نفسه أنه يكذب أو يشك في شيء مما جاء عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطوى قلبه على عقيدة باطلة بخلاف ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من عمل القلب، وينطبق عليه الحديث؛ لأنه قد عمل قلبه به لأن عمل القلب الشرعي مثلاً: اليقين وقد حل محله الشك فيكون من عمل القلب الكفري الذي هو ضد العمل الإيماني، وكذلك الإخلاص مطلوب وهو من أعمال القلب الواجبة فإذا حل محله الرياء فإن عمل القلب هنا يفسد، فإذاً سواء كان العمل قلبياً أو عملاً بالجوارح فلا يؤاخذ الله -عز وجل- بالخواطر والهواجس وإنما يؤاخذ بالعمل، إذا كان عملاً بالقلب أو عملاً بالجوارح أو كلاماً يتفوه به الإنسان، لأنه إذا تفوه وتكلم به فإنه قد تقرر به أما الهاجس والخاطر العارض فإنه يطرده، ولا يستقر في قلبه، وما دام يدافعه فلا حرج عليه، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الشيطان لا يزال يأتي الإنسان حتى يقول الله: هذا خلق الله، فمن خلق الله) ، فالشيطان يأتي الإنسان بالشكوك حتى أن أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- روى هذا الحديث لمَّا جاءه رجل فسأله هذا السؤال فضحك أبو هريرة -رضي الله عنه- وعجب، وقال:(صدق خليلي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بذلك، وها هو قد قيل ما كان وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم) فالشيطان يأتي يلقي الشبهات والشكوك والواجب على المؤمن أن يحاربه وأن يقاومه فهو يدعو إلى الفحشاء والمنكر.