وهذا من الفوارق الدالة على أن الكلام هو: القول واللفظ، وليس مجرد حديث النفس، ولذلك فالعبارة الأخيرة التي ذكرها المصنف هنا: إن مسمى الكلام والقول ونحوهما ليس مما نحتاج فيه إلى قول شاعر أي: مثل هذه المعاني الواضحة في الكلام العام لا نحتاج إلى الاستدلال عليها بقول شاعر ولا حتى بغير ذلك كالرأس والرجل واليد والسماء والأرض والجبل..لا نحتاج أن نأتي عليه بشاهد لا من كلام العرب ولا من غيره؛ لأنه معروف ومعلوم لدى كل عربي أن هذا يسمى جبل، وهذه تسمى سماء، وهذه أرض، وهذا لا يحتاج فيه إلى شاهد، فهو ثابت بالتواتر بالجمع الغفير جداً، وهو كل من يتكلم بهذه اللغة.
ومن ذلك أن كلمة الكلام والقول إنما تطلق على ما يتلفظ به وما يُقال باللسان، فلا يحتاج إلى قول أحد ويشهد لذلك الحديث الذي رواه الترمذي والإمامأحمد من حديث معاذ المعروف الذي قال في آخره:(يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يُكبُّ الناس في النار على وجوههم -وقال في رواية أخرى: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) .
فدل ذلك على أن القول المؤاخذ به الذي يكب في النار هو ما يقوله اللسان لا مجرد ما يخطر في القلب فهذا من أحد الشواهد. والأدلة المتظافرة من الشرع والعرف واللغة على أن الكلام هو ما ينطق به وما يتلفظ به.