يذكر المصنف -رحمه الله- أن من قال: إن كلام الله معنى نفس وأن ما في المصاحف المتلو هو حكاية أو عبارة عن كلام الله وهم الحنفية والأشعرية والماتريدية ومن قال بهذا القول، فقد قال بخلق القرآن شعر أم لم يشعر.
وسبق أن قلنا: إن كتب المتأخرين وكذلك الشروح والحواشي المتأخرة صَّرحت بذلك، قالوا: إن القرآن مخلوق ولكن لا يُقال مخلوق إلا في مقام التعليم، فلو قال أحد: مخلوق أمام العامي الذي لا يدري فقد يظن أنك تعني ما في ذات الله وما في ذات الله غير مخلوق أما هذا الذي في المصحف فهو مخلوق وتقول مخلوق أمام من يفهم الفرق بينهما.
فهذا ليس فقط وهو لا يشعر؛ بل هم قد قالوا ذلك، وأقروا به، والتزموا به، ولم يعودوا ينكرونه؛ بل هم يصرحون به حتى المعاصرين منهم في هذا الزمان، ويرد عليهم رحمه الله بأن الله سبحانه وتعالى تحدى العالمين الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:٨٨] .
فما الذي تحدى الله -عز وجل- به المخلوقين أهو ما في ذاته؟ أم هو هذا المكتوب المتلو المحفوظ؟ فالإشارة في هذا لو فكر أي عاقل لوجد أنها بلا شك إلى هذا الذي يقرأه الناس ويتلونه ويسمعونه، فهذا هو كلامه الذي يتحدى أن يأتي بمثله.
أما إن كان التحدي لِمَا في ذات الله فَمَا في ذات الله -عز وجل- لا يشار إليه بهذه الآية ولا غيرها ولا هو منزل ولا متلو ولا مسموع، كما يقولون: إنه ليس بحرف ولا صوت، وإنما هو شيء في الذات معنىً قائم بالله تعالى فكيف يتحدى به وأين الوصول إليه وكيف يعلم حتى يؤتى بمثله.