للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعندما يتحدى الله -عز وجل- أن يأتوا بمثله فهو شيء موجود بين أيدينا يقول: هذا هو القرآن اقرؤه وأتوا بمثله ولن تأتوا أبداً! أما إذا كان التحدي بالمعنى القائم في الذات، فأين الوصول إليه؟ وذاته بالاتفاق لا يمكن لأحد أن يعلمها، أو يسمعها، أو يحيط بها، فشيء لا سمعناه ولا عرفناه ولا ندركه كيف نُتَحدى أن نأتي بمثله، فهذا دليل على أن الكلام والقرآن إذا أُطلق وتُحديَّ به، هو ما في هذا المصحف، فهو كلامه -عز وجل- حقيقة لا عبارة ولا حكاية ولا مجاز ولا شيء من هذه الضلالات، فإن قالوا: لا، نحن نقصد أن التحدي جاء بهذا الذي هو عبارة أو حكاية عن الكلام المعنى القائم بالنفس، فيقول المصنف: إذا قالوا ذلك فإن هذا اعتراف بأن القرآن مخلوق.

ومن ناحية أخرى: أن قولكم في هذا أشد من قول المعتزلة؛ لأن المعتزلة يقولون: القرآن خلقه الله كأي خلق من الخلق، أما أنتم فتقولون: إن الله -عز وجل- له صفة قائمة بذاته هي الكلام، وهذا القرآن تعبير أوحكاية أو مجاز عنه، فأنتم تقولون: إن من صفات الله -عز وجل- ما يحكى أو يتشبه به كما يقول المصنف: إن حكاية الشيء تكون بمثله أو بشبهه، فمن هذا الذي يحاكي كلام الله؟! فسواءً قالوا جبريل، أو محمد صلى الله عليه وسلم حاكى كلام الله بكلام مثله أو بشيء يشبه.

فإذاً لا داعي للتحدي لأن جبريل، أو محمداً صلى الله عليه وسلم هو من المخلوقات، وقد حاكى الصفة التي يقولون إنها قديمة وهي في ذات الله وهذا مما يتناقضون به ويكذب ويبطل دعواهم لأن صفات الله -عز وجل- ليس فيها ما يمكن أن يحاكى أبداً.

الشيء الآخر: أن الكلام الذي يثبته هؤلاء المؤولة فيقولون: إن كلام الله معنى قائم بنفسه تعالى، ليس بحرف ولا صوت؛ أليس هذا القرآن الذي بين أيدينا المقروء المحفوظ المتلو حروفاً وأصواتاً؟

<<  <   >  >>