الحافظ النسفي يقول في المنار: إن القرآن اسم للنظم والمعنى، فهو يردُّ هنا على أصحابه القائلين بالكلام النفسي، وقال:[وما يُنسب إلى أبي حنيفة -رحمه الله- أنه قال: من قرأ في صلاته بالفارسية أجزأه] إذا قرأ بمعنى القرآن بلغة غير العربية فإن ذلك يجزئه في صلاته، فالإمام أبو حنيفة رجع عن هذا القول كما يقول الإمام المصنف ابن أبي العز وهو من أئمة المذهب، وهو يعلم المذهب ويعلم الأقوال فيه، وقد يسلم الإنسان في هذه اللحظة، وهو لا يجيد اللغة العربية، فلا نلزمه أن يصلي باللغة العربية، وهو إلى الآن لم يتعلمها، ولكن ينبغي أن يتعلمها في أسرع ما يمكن.
ثم قال الأئمة الحنفية: ما حكم من قرأ بغير العربية؟
قالوا: إما أن يكون مجنوناً فيداوى -يُعالج حتى يشفى- أو زنديقاً فيُقتل -إنسان ساخر هازل زنديق فهذا يقتل- لأنه قرأ بغير اللغة العربية، قال: لأن الله تكلم بالقرآن، وأنزله بهذه اللغة بلسان عربي مبين كما قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً [الزخرف:٣] والإعجاز حصل بلفظه ومعناه، فإذا غير إلى لغة أخرى فإن ذلك إبطال للإعجاز والتحدي فهؤلاء الأئمة في الفقه لم يفرقوا بين اللفظ والمعنى، فيقولون: إن المعنى قائم بالنفس، وأن اللفظ مخلوق أو مصنوع أو عبارة وحكاية عنه.
فهذا مما يَستدِلُ به المصنف -رحمه الله- على الماتريدية وقد نبهنا لماذا نقول ذلك؛ لأن العقيدة الطحاوية شرحها ماتريديون ينتسبون إلى نفس المذهب الحنفي لكنهم على مذهب أبي منصور الماتريدي فأولوها وحرفوها كما أولوا كلام الله، فهو هنا يَردُّ عليهم: أن هذا الذي قاله أبو جعفر الطحاوي هو الصحيح وهو الذي عليه الإمام أبو حنيفة وهو الذي عليه النسفي وهو الذي عليه نفسه رحمه الله، وكل علماء المذهب الحقيقين هم على هذا المذهب وعلى هذا القول الصواب الذي كان عليه السلف في مسمى الكلام وفي مسمى القول.