وقال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِه [هود:١٣] وقال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس: ٣٨] فلما عجزوا -وهم فصحاء العرب مع شدة العداوة- عن الإتيان بسورة مثله تبين صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه من عند الله، وإعجازه من جهة نظمه ومعناه لا من جهة أحدهما فقط، هذا مع أنه قرآن عربي غير ذي عوج، بلسان عربي مبين، أي: باللغة العربية، فنفي المشابهة من حيث التكلم، ومن حيث التكلم به، ومن حيث النظم والمعنى، لا من حيث الكلمات والحروف، وإلى هذا وقعت الإشارة بالحروف المقطعة في أوائل السور، أي: أنه في أسلوب كلامهم وبلغتهم التي يتخاطبون بها، ألا ترى أنه يأتي بعد الحروف المقطعة بذكر القرآن؟ كما في قوله تعالى: آلم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:١-٢] ، آلم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ [آل عمران:١-٣] الآية آلمص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْك [الأعراف:١-٢] الآية الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس:١] .
وكذلك الباقي ينبههم أن هذا الرسول الكريم لم يأتكم بما لا تعرفونه؛ بل خاطبكم بلسانكم، ولكن أهل المقالات الفاسدة يتذرعون بمثل هذا إلى نفي تكلم الله به وسماع جبريل منه. كما يتذرعون بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:١١] إلى نفي الصفات، وفي الآية ما يَردُّ عليهم قولهم، وهو قوله تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: ١١] . كما في قوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِه [يونس:٣٨] ما يرد على من ينفي الحرف فإنه قال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ ولم يقل: (فأتوا بحرف أو بكلمة) وأقصر سورة في القرآن ثلاث آيات، ولهذا قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: (إن أدنى مايجزئ في الصلاة ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة؛ لأنه لا يقع الإعجاز بدون ذلك والله أعلم] اهـ.