وإذا بحث الإنسان في علوم اللغة فإنه لا يجد أبلغ من القرآن، فيتراجع ويعجز ويتقهقر أمام هذه البلاغة العظيمة، والإنسان الذي يبحث في العلوم الكونية ينبهر ويذهل لما يجد في هذا القرآن مما لا يستطيع أن يُقال وأن يتصور إلا عن طريق هذا الوحي، والإنسان الذي يبحث في التاريخ يجد في هذا القرآن من أخبار الأمم الماضية ومن أحوالها العجب العجاب، الذي لم يأت به المؤرخون فضلاً عن رجل أمي لم يقرأ ولم يكتب ولم يجالس مؤرخاً ولا غير مؤرخ، ثم يحدث عن ثمود وعاد بل عن آدم عليه السلام؛ بل عما هو أقدم من ذلك من نشأة هذا العالم وكيف نشأ؟ وكيف وجد؟ ألا يدل هذا على أن هذا القرآن وحي من السماء؟! أليس ذلك عن طريق الوحي؟ فكيف عرفنا العرش وكيف عرفنا ابتداء خلق السماوات والأرض وليس في إمكان العقول التي تتحدث عن التاريخ أن تبحث أوتتكلم عن مثل هذه الأمور على الإطلاق.
ثم تأتي الأخبار الغيبية المستقبلية في القرآن الكريم فتحصل بعضها وتتحقق وبعضها لم يأذن الله بحصولها، ومما حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: آلم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:١-٣] فكان مما أخبر به القرآن أنهم يفتحون مكة ويدخلونها وحصل ذلك، وأخبر أن الله سيظهر هذا الدين على الدين كله ولو كره الكافرون، وغير ذلك مما قد حصل ووقع.
ومن هذه الأخبار الغيبة المستقبلية، ما أخبر به عن أمور تقع بين يدي الساعة ولما تقع بعد، كخروج الدابة، وظهور الدجال.
والدجال وإن لم يذكر في القرآن صريحاً ولكنه ذكر تلميحاً كما في قوله تعالى يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:١٥٨] وأشباه ذلك، ومن أعظم آيات الله التي تأتي آخر الزمان الدجال وطلوع الشمس من مغربها.