وهنا أمر نحب أن ننبه إليه وهو أنه كان في الجاهلية قلوب فطرها سليمة نقية رفضت عبادة الأوثان ورفضت الانغماس في أعياد الجاهلية، واختلاط الجاهلية وإباحيتها، فساحوا في الدنيا يبحثون عن دين يريدون شيئاً يتعبدون الله به في قلوبهم لأن كل ما على هذه الأرض من أديان فهو باطل، ومن هؤلاء: ورقة بن نوفل، وأمية بن أبي الصلت، وزيد بن عمرو بن نفيل، وسلمان الفارسي الذي بحث عن الأديان في بلاد فارس، والعراق، وأطراف الشام فهؤلاء أناس يريدون أن يعبدوا الله عز وجل.
ونجد اليوم في الغرب حيارى كثير من هذا النوع، فإذا وجدوا القرآن سلموا له واطمأنت قلوبهم به، فيعتقدونه غاية الاعتقاد وغاية الصدق واليقين، ويقرون أن هذا من عند الله، لِمَا يرون من بيان القرآن وإعجازه وإحكامه حتى ما يتعلق بالشرائع والأحكام التي فيه، فإن من نظر إلى أي مُشَّرعٍ أو مقننٍ أو باحثٍ في أحوال الناس وشرائعهم قبل الإسلام أو في أيام بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ورأى حال الروم وحال الفرس وحال العالم وما فيهم من الظلم والإجحاف والقوانين الجائرة والأحكام الطاغوتية، ثم نظر إلى هذه الشريعة العادلة السمحة، وما جاءت به من حدود ومن تعزير ومن أحكام مفصلة، سيرى العجب العجاب ويرى ما يذهل عقله ولبه.
فمْنِ أي زاوية نظرت إلى القرآن فهو معجز أو مُتَحدىً به أن يأتي الناس بمثله، فليس الأمر مقصوراً على جانب من الجوانب، لكن لما ظهر أصحاب الكلام وظهرت الفرق وأخذوا يتكلمون عن إثبات القرآن وإثبات النبوة والمعجزة عن طريق العقل والرأي، وكيف نستدل على أن هذا نبي؟ وكيف نعرف أن هذا هو قرآن حقاً؟ عندئذ أخذوا يخوضون بعقولهم وبآرائهم، ودخل من هذا الباب أهل الضلال والبدع وأهل الزندقة الذين يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر والعياذ بالله.
وقد انقسم النَّاس فيما يتعلق بهذا القُرْآن وبالتحدي به إِلَى ثلاثة طوائف رئيسية: