وأما أقصر سورة في القرآن فخي ثلاث آيات، ولهذا قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن:"إن أدنى ما يجزى في الصلاة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، لأنه لا يقع الإعجاز بدون ذلك" وهذا مذهب الحنفية، إن كَانَ المراد عندهم أن القُرْآن يجزء منه آية أو سورة قصيرة عن الفاتحة، فهذا القول غير صحيح، وإن كَانَ المؤلف هنا لا يقصد الحكم الفقهي، وإنما يريد الاستشهاد به عَلَى العقيدة، فإن أبا حنيفة ينسب إليه أنه قَالَ:"لا تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة بل يكفي أي شيء من القرآن" بدليل قوله تعالى: فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل: ٢٠] .
فهذا المذهب مرجوح لما ثبت وصح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ:(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقوله: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القُرْآن فهي خداج) ، وإن كَانَ المقصود أنه بعد الفاتحة لا يجزئ إلا سورة قصيرة أو آية طويلة ليقع بها الإعجاز، فعدم الإجزاء هنا لا يعني الوجوب حتى عند الحنفية، بمعنى أن قراءة شيء من القُرْآن في الصلاة بعد الفاتحة ليس واجباً لا عند الحنفية ولا عند غيرهم.
قال الطحاوي رحمه الله:
[ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أن الله بصفاته ليس كالبشر]
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[لما ذكر فيما تقدم أن القرآن كلام الله حقيقة، منه بدا، نبه بعد ذلك على أنه تعالى بصفاته ليس كالبشر نفياً للتشبيه عقيب الإثبات، يعني: أنه تعالى وإن وصف بأنه متكلم لكن لا يوصف بمعنى من معاني البشر التي يكون الإنسان بها متكلماً، فإن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وما أحسن المثل المضروب للمثبت للصفات من غير تشبيه ولا تعطيل باللبن الخالص السائغ للشاربين، يخرج من بين فرث التعطيل ودم التشبيه، والمعطل يعبد عدماً، والمشبه يعبد صنماً.